سورة لقمان - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


لما ذكر تعالى حال الكفرة أعقب ذلك بذكر حال المؤمنين ليبين الفرق وتتحرك النفوس إلى طلب الأفضل، وقرأت عامة القراء {يسْلم} بسكون السين وتخفيف اللام.
وقرأ عبد الله بن مسلم وأبو عبد الرحمن {يسَلّم} بفتح السين وشد اللام ومعناه يخلص ويوجه ويستسلم به، والوجه هنا الجارحة استعير للمقصود لأن القاصد للشيء فهو مستقبله بوجهه فاستعير ذلك للمقاص، والمحسن الذي جمع القول والعمل، وهو الذي شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عن الإحسان، و{العروة الوثقى} استعارة للأمر المنجي الذي لا يخاف عليه استحالة ولا إخلال والعرى موضع التعليق فكأن المؤمن متعلق بأمر الله فشبه ذلك {بالعروة}، و{الأمور} جمع أمر وليس بالمضاد للنهي، ثم سلى عز وجل نبيه عن موجدته لكفر قومه وإعراضهم فأمره لا يحزن لذلك بل يعمد لما كفله من التبليغ ويرجع الكل إلى الله تعالى، وقرأ ت فرقة {يُحزنك} من الرباعي، وقرأت فرقة {يَحزنك} من الثلاثي، و{ذات الصدور} ما فيها والقصد من ذلك إلى المعتقدات والآراء، ومن ذلك قولهم:الذئب مغبوط بذي بطنه ، ومنه قول أبي بكر رضي الله عنه:ذو بطن بنت خارجة ، والمتاع القليل هو العمر في الدنيا، والعذاب الغليظ معناه المغلظ المؤلم، ثم أقام عليه الحجة في أمر الأصنام بأنهم يقرون بأن الله تعالى خالق المخلوقات ويدعون مع ذلك إلهاً غيره، والمعنى {قل الحمد لله} على ظهور الحجة عليكم، وقوله تعالى: {بل أكثرهم} إضراب عن مقدر تقديره ليس دعواهم بحق ونحو هذا، وقوله {أكثرهم} على أصله لأن منهم من شذ فعلهم كزيد بن عمرو بن نفيل، وقس، وورقة بن نوفل، ويحتمل أن تكون الإشارة أيضاً إلى من هو معد أن يسلم، ثم أخبر على جهة الحكم وفصل القضية بأن الله له ملك السماوات والأرض وما فيها، أي وأقوال هؤلاء لا معنى لها ولا حقيقة و{الغني} الذي لا حاجة به في وجوده وكماله إلى شيء ولا نقص بجهة من الجهات، و{الحميد} المحمود أي كذلك هو بذاته وصفاته.


روي عن ابن عباس أن سبب هذه الآية أن اليهود قالت يا محمد كيف عنينا بهذا القول {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} [الإسراء: 85] ونحن قد أوتينا التوراة فيها كلام الله تعالى وأحكامه وعندك أنها تبيان كل شيء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «التوراة قليل من كثير» ونزلت هذه الآية، وهذا هو القول الصحيح، والآية مدنية وقال قوم: سبب الآية أن قريشا قالت سيتم هذا الكلام لمحمد وينجسر فنزلت هذه الآية، وقال السدي: قالت قريش ما أكثر كلام محمد فنزلت.
قال الفقيه الإمام القاضي: والغرض منها الإعلام بكثرة كلمات الله تعالى وهي في نفسها غير متناهية وإنما قرب الأمر على أفهام البشر بما يتناهى، لأنه غاية ما يعهده البشر من الكثرة، وأيضاً فإن الآية إنما تضمنت أن {كلمات الله} لم تكن لتنفد، وليس تقتضي الآية أنها تنفد بأكثر من هذه الأقلام والبحور، قال أبو علي: المراد ب الكلمات والله أعلم ما في المقدور دون ما أخرج منه إلى الوجود، وذهبت فرقة إلى أن الكلمات هنا إشارة إلى المعلومات.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا قول ينحو إلى الاعتزال من حيث يرون في الكلام أنه مخلوق وهذه الآية بحر نظر، نور الله تعالى قلوبنا بهداه، وقرأ أبو عمرو وحده من السبعة وابن أبي إسحاق وعيسى {والبحرَ} بالنصب عطفاً على ما التي هي اسم أن، وقرأ جمهور الناس و{البحرُ} بالرفع على أنه ابتداء وخبره في الجملة التي بعده لأن تقديرها هذه، حاله كذا، قدرها سيبويه وقال بعض النحويين هو عطف على أن لأنها في موضع رفع بالابتداء، وقرأ جمهور الناس {يَمده} من مد وقرأ الحسن بن أبي الحسن {يُمده} من أمد، وقالت فرقة هما بمعنى واحد، وقالت فرقة مد الشيء بعضه بعضاً وأمد الشيء ما ليس منه، فكأن الأبحر السبعة المتوهمة ليست من {البحر} الموجود، وقرأ جعفر بن محمد {والبحر مداده} وهو مصدر، وقرأ ابن مسعود {وبحر يمده}، وقرأ الحسن {ما نفد كلام الله}، ثم ذكر تعالى أمر الخلق والبعث أنه في الجميع وفي شخص واحد بالسواء لأنه كله بكن فيكون قاله مجاهد.
وحكى النقاش أن هذه الآية في أبي بن خلف وأبي الأسود ونبيه ومنبه ابني الحجاج وذلك أنهم قالوا يا محمد إنا نرى الطفل يخلق بتدرج وأنت تقول الله يعيدنا دفعة واحدة فنزلت الآية بسببهم.


هذا تنبيه خوطب به محمد صلى الله عليه وسلم والمراد به جميع العالم، وهذه عبرة تدل على الخالق المخترع أن يكون الليل بتدرج والنهار كذلك فما قصر من أحدهما زاد في الآخر ثم بالعكس ينقسم بحكمة بارئ العالم لا رب غيره، و{يولج} معناه يدخل، والأجل المسمى القيامة التي تنتقض فيها هذه البنية وتكور الشمس، وقرأ جمهور القراء {بما تعملون} بالتاء من فوق، وقرأ عباس عن أبي عمرو {يعلمون} بالياء، وقوله تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق} الإشارة ب {ذلك} إلى هذه العبرة وما جرى مجراها، ومعنى {هو الحق} أي صفة الألوهية له حق، فيحسن في القول تقدير ذو، وذلك الباب متى أخبر بمصدر عن عين فالتقدير ذو كذا وحق مصدر منه قول الشاعر:
فإنما هي إقبال وإدبار *** وهذا كثير ومتى قلت كذا وكذا حق فإنما معناه اتصاف كذا بكذا حق، وقوله {وأن ما تدعون من دونه} يصح أن يريد الأصنام وتكون بمعنى الذي ويكون الإخبار عنها ب {الباطل} على نحو ما قدمناه في {الحق}، ويصح أن تكون {ما} مصدرية كأنه قال وأن دعاءكم من دونه آلهة الباطل أي الفعل الذي لا يؤدي إلى الغاية المطلوبة به، وقرأ الجمهور {تدعون} بالتاء من فوق، وقرأ {يدعون} بالياء ابن وثاب والأعمش وأهل مكة ورويت عن أبي عمرو، وباقي الآية بين.

1 | 2 | 3 | 4